مولد المناوي المعروف بالتعطيرة الشريفة.
الحمد لله الذي أنار الوجود بطلعة خير البرية ، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، قمر الهداية وكوكب العناية الربانية ، مصباح الرحمة المرسلة وشمس دين الإسلام ، من تولاه مولاه بالحفظ والحماية والرعاية السرمدية ، وأعلى مقامه فوق كل مقام ، وفضله على الأنبياء والمرسلين ذوي المراتب العلية ، فكان للأولين مبدءا وللآخرين ختام ، وشرف أمته على الأمم السابقة القبلية فنالت به درجات القرب والسعادة والاحترام ، وأنزل تشريفها في محكم الآيات القرآنية ، "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" فما أعذب هذا الكلام . أحمده أن جعلنا من هذه الأمة المخصوصة بهذه المزية ، الفائزة بالوصول إلي دار السلام ، وأشكره على هذه العطية ، وأستعين به وأستهديه على الدوام ، وأتوب إليه من الأوزار والزلل والخطية ، وأستغفره من الذنوب والآثام ، وأطلب الفوز بقربه والرجاء والأمنية ، وأسأله العفو والعافية وحسن الختام ، وأشهد أن لا اله إلا الله القديم في ذاته الأحدية ، المنفرد بالإيجاد والإعدام، شهادة أتخلص بها من النزعات الشيطانية ، وأنتظم بها في سلك قوم مخلصين لهم في العبادة أقدام ، وأشهد أن سيدنا محمداً الذي فتح الله بمعناه أبواب النشأة الوجودية ، وختم بصورته نظام الأنبياء والمرسلين الكرام ، وقد اشتمل اسمه الشريف على أربعة أحرف هجائية لكل حرف منها مزية ومقام ، فالميم الأولي ما من نبي ولا رسول إلا خُلق من نور طلعته البهية ، فهو أصل والكل منه فرع بلا شك ولا إيهام ، والحاء حمىً لمن آمن به واتبع ملته الحنيفية ، وحاشا من صدق برسالته وتمسك بسنته يضام ، والميم الأخرى مفتاح الرحمة يوم العرض على عالم الأسرار الخفية ، والدال دعوة شفاعته لأمته قد خبأها بها في علمه العليم العلام ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه بكرة وعشية ، صلاة وسلاما دائمين متلازمين لا يعتريهما انصرام.
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
(أما بعد)
فيقول العبد الفقير الراجي من الله الألطاف الخفية ، الطالب منه تعالى محو المساوي والآثام ، رأيت رسول الله صلىي الله عليه وسلم رؤية حقيقية ، ومن رآه في المنام فقد رآه حقا كما روت عليه الأفاضل الأعلام ، رأيته مزملا في ثياب سندسية ، مربوع القامة أبيض اللون جميل الصورة وفصيح الكلام ، كاملا في ذاته مكملا في أوصافه الخلقية ، ما خلق الله قبله ولا بعده مثله في الأنام ، عظيم الرأس أسود الشعر تتيه في محاسنه القلوب الزكية ، وتتحير في كمال جماله الأفهام، قمري الجبين حواجبه نونية ، كحيل الطرفين أهدب العينين ظريف القوام . أبيض الخدين مشربا بالحمرة وجناته ضوئية ، ووجهه كأنه ليلة البدر ليلة التمام ، يجري الحسن في خديه كما تجري الشمس في مسالكها الفلكية ، كوكبي الأنف يزول من ضيائه الظلام ، ياقوتي الشفتين مفلج الأسنان إذا تكلم خرج النور من بين ثناياه اللؤلئية ، واسع الفم سلسبيل الريق جميل الابتسام ، كث اللحية شديد الهيبة معتدل العنق في صفاء الفضة التقية ، وله عينان في ظهره يرى بهما من خلفه كما يرى من في الأمام ، بارز العضدين طويل الزندين كريم الكفين أجود من السحب الممطرة الغيمية ، سليم الصدر ممتلئا من الآيات والأحكام ، بطنه على تقوى الله ومعارفه مطوية وإذا نامت عيناه قلبه لا ينام ، منير الساقين ظريف الكعبين أعقابه سراجيه ، وله في الصخر غاصت الأقدام.
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
اعلم وفقني الله وإياك بالأعمال الصالحة المرضية ، وأبرأ قلوبنا من الآلام والأسقام، ومتعني وإياك بزيارة روضته الشريفة النبوية ، وجعلنا له من جملة الخدام ، أن نبينا صلى الله عليه وسلم ما ذكر في مجلس إلا نفحت منه رائحة زكية ، فتبلغ عنان السماء ويتجلى بالرحمة والرضوان ذو الجلال والإكرام ، فتقول الملائكة إلهنا وسيدنا ما هذه الرائحة المسكية ، فيقول الله سبحانه وتعالى خطابا للملائكة الكرام ، يا ملائكتي هذا مجلس صلي فيه على حبيبي محمد بن عبد الله خير الخلائق البشرية ، الذي خلقته بقدرتي وابتدعته بحكمتي وأضفته تشريفا إلى عظمتي واصطفيته من جميع الأنام ، فتنزل الملائكة على أهل هذا المجلس وتحفهم بأجنحتها النورانية ، ويستأنسون بهم ويصلون عليهم والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار على الدوام ، ويؤمنون على دعواتهم ويشهدون لهم عند الله بالسعادة الأبدية ، ثم يرتفعون وهم يذكرونهم بأحسن مقال وأجل مقام ، فيكتب الله كتابهم في عليين في الدار الجنانية ، ويمنحهم قربه ورضاه ويمتعهم فيها بالحور العين الحسان ونعم الإكرام ، فزينوا مجالسنا بالصلاة عليه والتسليمات الزكية ، فإنه صلى الله عليه وسلم يحضر في كل مجلس يصلي عليه فيه فأكثروا من الصلاة عليه والسلام .
وقد فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة عليه والسلام في الآية القرآنية ، حيث قال وهو أصدق القائلين في محكم كتابه المفضل على سائر الكلام : "إن الله وملائكته يصلون على النبي" بدأ بنفسه وثنى بملائكته القدسية ، "يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" أمرنا بذلك في كل محفل ومقام ، وقد فضلها بعض الفضلاء على الصلاة النفلية ، فيا سعادة من أشغل نفسه بها ولازم وردها على الدوام .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
ومن فضائل الصلاة عليه أنها دلائل الخيرات والبركات والفتوحات السنية ، ومهبط الرحمات والأفضال والإنعام ، وباب الرباح والفلاح والصلاح والعطية ، وكنز النجاح وبحر السماح لمن لها قد أدام ، ووصلة بين العبد وربه وسبب لحصول الأرزاق والغنائم الدنيوية ، وحجاب من الخطوب والكروب والآثام ، وسعادة في الدارين وتخفف سكرات الموت وتحفظ من الأهوال الدنيوية والأخروية ، وأمان من الفتانات وطلقة للسان عند سؤال الملكين وسراج في القبور من الوحشة والظلام ، ويظلل المصلى تحت ظل العرش يوم القيامة ويؤتى كتابه بيده اليمينية ، ويحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا يكرم غاية الإكرام ، ويشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربة سائغة هنية ، ويرى عند المرور على الصراط نورا أعظم من البدر التمام ، ويعطى في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على القلوب البشرية ، ويسقى من الرحيق المختوم في دار السلام ، فعليك بها أيها المحب ولازم وردها في أوقات عمرك الدهرية ، لعلك تفوز بدار الدوام مع الفائزين "دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام" .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
وفى أول ليلة من ليالي حمله صلى الله عليه وسلم أغلقت أبواب الجحيم وفتحت أبواب الجنان الرضوانية ، واطلع الحي القيوم وتجلى برحمته ورضوانه التجلي العام ، واهتز العرش طربا ومال الكرسي عجبا وانتشرت الرايات الربانية ، وتلألأت الكائنات بالأنوار وتنكست على رؤوسها الأصنام ، ونطقت دواب قريش بالمقالات العربية ، وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة فهو إمام الدنيا وسراج الأنام ، وفرت وحوش المشارق إلى وحوش المغارب بالبشائر االقولية، وبشرت حيتان البحر بعضها بعضا بظهور مصباح الظلام.
ونادي لسان حال الكائنات جاءنا اليسر بعد الشدائد العسرية ، وظهر إمام العدل والرقيب من الحواسد نام ، ولم تجد أمه في حمله وحما ولا تعبا ولا كربية ، ولا ثقلا ولا هزالا ولا مسّ آلام ، وكان بدء حمله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة من الليالي الرجبية ، وانتهاؤه في شهر ربيع الأول ليلة الإثنين الثاني عشر من الأيام ، وكان صلى الله عليه وسلم وهو في بطن أمه يسبح ويقدس ذات ربه الوحدانية ، فكانت السيدة تسمع تسبيحه وتقديسه وهو في بطنها فسبحوا من لا ينام .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
ولما استقر نور محمد صلى الله عليه وسلم فى بطن أمه بشرتها الأنبياء في كل شهر من شهور الحمل بالبشائر الجليلة البهية ، ففي الشهر الأول جاءها السيد آدم وبشرها في منامها بأنها حملت بشفيع المذنبين يوم الزحام ، وفي الشهر الثاني جاءها شيث وبشرها في منامها بأنها حملت بدرة بهجت الأنوار المصطفوية ، التي فرع الله منها جميع الأشياء وأتقنها ببدائع الأحكام ، ولما تم لحمله صلى الله عليه وسلم شهران على أصح الأقاويل الشهيرية ، توفي أبوه عند أخواله وهو راجع إلى الشام ، فقالت ملائكة السماوات السبع الطباقية ، ربنا بقي نبيك يتيما فقال تعالى يا ملائكتي أنا خالقه وحافظه عندما سار أو قام ، وفي الثالث جاءها نوح وبشرها في منامها بأنها حملت بسفينة العلوم اللدنية ، الذي أعلى عماد الإيمان ومناره أقام ، وفي الشهر الرابع جاءها الخليل إبراهيم وبشرها في منامها بأنها حملت برسول الملة السمحاء الحنيفية ، الذي جاهد الكفار والمنافقين وأبطل عبادة الأصنام ، وفي الشهر الخامس جاءها الذبيح إسماعيل وبشرها في منامها بأنها حملت بأفضل من نطق بالعربية ، الذي شرف الله به زمزم والحطين والركن والمقام ، وفي الشهر السادس جاءها السيد داود وبشرها في منامها بأنها حملت بمن كانت الجوامد في يده لينة طرية ، الذي أحيا الليل بالعبادة حتى تورمت منه الأقدام ، وفي الشهر السابع جاءها السيد سليمان وبشرها في منامها بأنها حملت بعين الأعيان الإنسانية ، الذي أعطاه الله بساط العناية وجرت بين يديه رياح الهداية وأصبحت ملائكة السماوات لحضرته من الخدام ، وفي الشهر الثامن جاءها موسى وبشرها في منامها بأنها حملت بطور التجليات الإلهية الذي خاطبه الله من فوق سبع سماوات وخفض دون مقامه كل مقام ، وفي الشهر التاسع جاءها عيسي بن مريم الطاهرة العمرانية ، وبشرها في منامها بأنها حملت بأفضل من حج وصلى وصام ، ولما كملت عدة أشهر أشرقت الأقطار بالأنوار المحمدية ، ونشرت له في جوانب الأرض الأعلام ، ولما جاء شهر ربيع الأول الذي فتح الله فيه أبواب العطية ، وطلعت فيه شموس الإيمان وفتحت كنوز الأنعام ، حضرت ليلة مولده المنيرة القمرية ، واشتد بآمنة الطلق بلا وجع ولا إسقام ، وكانت السيدة وحيدة في منزلها فدخلت عليها النسوة الحورية ، ومعهن آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران فبدآنها بالتحية والسلام ، وأقبلت حواء في جماعة وجاءت سارة الخليلية ، وهن يهنئنها بأحسن تهنئة لأجل اغتنام ، وفتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة الروحانية ، وأقبل الأمين جبريل في كبكبة من الملائكة وبيده ثلاثة أعلام ، ودقت طبول الأفراح في السماوات والأرض وعبقت روائح الطيب بين العوالم الجبروتيه ، وتعطر الملأ الأعلى بعنبر لحظات أوقاته العظام .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
وتلألأت الكائنات بطوالعه السعودية ، وافتخرت الخلائق بقدومه والعرب والأعجام ، ورأت أمه نورا خرج منه أضاء الأرجاء العلوية والسفلية ، وتدلت الكواكب من السماوات وأقبل إلى بيت آمنة الغمام ، ورأت من يقول لها ستضعين خير أهل الأرضين والسماوات العلوية ، فإذا وضعتيه فسميه محمدا ليحمد فى الدنيا ويوم الزحام ، ولم تزل السيدة تشاهد من غرائب معجزاته أمورا نورانية ، ومن عجيب آياته ما لا تحيط به العقول والأفهام ، وذلك في ليلة الإثنين من بعد العشاء إلى طلوع اللمعة الفجرية ، فأخذها المخاض ووضعته صلى الله عليه وسلم نورا يتلألأ كالبدر ليلة التمام.
[ويجب علينا معشر الحاضرين والسامعين القيام عند ذكر مولده الشريف تعظيما لقدوم ذاته البهية ، فيا سعادة من وقف تعظيما له على الأقدام. ]
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
ولما بدا من بطن أمه كالشمس البهية ، سقط على يد أم عبد الرحمان ابن عوف أحد البررة الكرام ، فسجد لمولاه على الأرض وأومأ بطرفه إلى السماء العلية ، وفي ذلك الرفع إشارة إلى علو قدره والمقام ، ثم عطس فقال الحمد لله بفصيح العربية ، فقالت له الملائكة يرحمك ربك يا خير الأنام ، ثم غشيته سحابة من النور فأخذته الملائكة فغيبته عن أمه ساعة زمنية ، وطافوا به جميع الكائنات فعرفه أهل السموات والأرضين وكل منهم في محبته هام ، ثم ردته الملائكة إلى أمه وهو ملفوف فى ثياب خضر سندسية ، وملك يقول يا عز الدنيا ويا شرف الآخرة من قال بمقالتك وشهد بشهادتك حشر تحت لوائك يوم الزحام ، وولد نبينا صلى الله عليه وسلم ظريفا مختونا مسرورا مكحول العينين بكحل العناية الربانية ، كامل الجمال مستورا بالهيبة والجلال التام متخلقا بأخلاق الأنبياء من فصاحة وفطانة وسخاوة ندية ، وقوة وشجاعة وعفة وسماحة وحسن قوام ، وقيل ختنه جده عبد المطلب يوم سابع ميلاده وسماه محمدا وصنع وليمة وبذل فيها همته الجهدية ، فسئل عن ذلك فقال رجوت أن يحمد في السموات والأرض وقد حقق الله رجاءه وما رام.
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
وظهرت ليلة مولده أمور غريبة عجيبية ، تعظيما لقدومه وأجلالا لجنابه وأكراما له أي إكرام ، منها تزينت السموات حفظت من القواعد السمعية ، فمن استرق السمع بعد ذلك أتبعه شهاب مبين بالرمي والرجم الإيلام ، ولما ولد عيسى بن مريم حجبت الشياطين عن ثلاث سموات تعظيما لجلالته الروحية ، وحجبت عن الجميع لما ولد نبينا على ممر الدهور والأعوام ، وتلألأت الكائنات بالأنوار وتدلت الكواكب من الجوانب الأفقية ، وأفل طالع الكفر ولاح فجر الإسلام ، وتزينت الجنان بأجمل زينة وأحلى مزية ، وافتخرت الولدان وتبخترت الحور المقصورات في الخيام ، وانصدع إيوان كسري وسقطت شرافته المبنية ، وظهر دين الحق وبطلت عبادة الأصنام ، وخمدت النيران التي كانت تعبدها الجاهلية ، وكان لها على الصحيح لم تخمد ألف عام ، وغاضت بحيرة ساوه وقد عرفت بالأماكن الفارسية ، وفاض ماء وادي سماوه وهي مفازة في جبال وأكام ، وكان مولده صلى الله عليه وسلم بمكان يعرف بسوق الليل بالأباطح المكية ، بالبلد الحرام المشرف بدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وعند مسقط رأسه تنفح إلى الآن رائحة عنبرية ، فيا سعادة من حيّاه بالتقبيل وعظمه بالالتئام ، وألبست الشمس يوم ولادته أنوارا عظيمة ضحوية ، وازداد القمر نورا على نوره وغاب حندس الظلام ، ووضعت الحوامل ذكورا تعظيما لقدوم ذاته المحمدية ، واخضرت الأرض وأثمرت الأشجار وجاء الرغد من كل جانب وفاض طوفان الخير وتلاطمت أمواج بحور الأنعام ، وكان صلى الله عليه وسلم وهو في المهد يناغي القمر ويتحرك مهده بتحريك الملائكة الروحانية ، وحديثه مع القمر لأجل تسليته عن البكاء ونزول دموعه السجام ، وأول من أرضعه ثويبة بعد أمه آمنة الوهبية وأعتقها سيدها لما بشرته بولادته فجوزي بتخفيف العذاب عنه كل ليلة اثنين على الدوام .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
وأما ما كان عليه من كمالاته وأخلاقه الحميدة الزكية ، كما رأيته مسطرا عن العلماء الأعلام ، فكان صلى الله عليه وسلم محفوفا بالهداية محروسا بالعناية محفوظا من كل أذية ، مشهور الفضائل مذكورا في المحافل مرفوعا لواء عزة منشور الأعلام ، عارفا بربه متوكلا عليه في حوائجه الكلية ، صادقا في أقواله مخلصا في أفعاله قائما بالعبادة لربه حق القيام ، زاهدا في دنياه راغبا في الدار الأخروية ، ساعيا في مصالح أهله واصلا للأرحام ، عظيم القناعة إذا اشتد به سلطان الجوع تكفيه اللقمة الطعامية ، ماشيا مع الأرامل ، قاضيا حوائج الأيتام ، عفوا عمن أساءه صفوحا عمن ظلمه رؤوفا بأمته تأخذه عليهم شفقته القلبية ، مجيبا للإيماء صابرا على البلاء والخطوب العظام ، عفيف النفس لا يسأل أحدا من خلق الله حاجة من حوائجة الضرورية ، دائم الحمد والشكر إن وجد شيئا أكله وإن لم يجد شيئا نوى الصيام ، خافض الجناح للفقراء والمساكين والجماعة الصحابية ، هين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا مختال ولا نمام ، ماشيا خلف أصحابه قائلا خلوا ظهري للملائكة الرحمانية ، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ولا ينطق في مجلسة إلّا بصدق الكلام ، عاصبا من الجوع بالحجر أمعاءه الإحشائية ، وبين يده مفاتيح خزائن الأرض بما فيها من الأنعام ، وراودته الجبال أن تكون له ذهبا فلم ترض نفسه الأبية ، بل رضي حالته التي هو بها عليه الصلاة والسلام ، كامل الآداب إذا مشى في أماكن المدينة البهية ، مشدودا بالمئزر مرخيا على وجهه اللثام .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
وأما فضائله صلىي الله عليه وسلم بعد مفارقته الحياة الدنيوية ، فهي كثيرة جلت على أن تحصرها الأقلام ، ولكن نورد نبذة منها تبركا بذكر مفاخره العطرية ، ورجاء أن ننتظم في سلك محبيه عليه الصلاة والسلام ، فنقول قد روي أنه حين ينفخ إسرافيل في الصور نفخة القيام ، يرسل الله جبريل وميكائيل بالحلة والبراق إلى حضرته المحمدية ، فيقفان عند قبره الشريف وينادي جبريل يا طه السلام ، فينتبه المصطفي صلى الله عليه وسلم من روضته ينفض التراب عن رأسه الشريف فيصافحة جبريل ويبدؤه ميكائيل بالتحية ، فيقول يا جبريل بشرني فيقول يا محمد قد تزينت لقدومك الجنان الفردوسية ، وتبخترت للقائك الحور والولدان العظام ، فيقول لستُ عن هذا أسأل أين أمتي يا جبريل فيقول يا محمد ما انشقت الأرض عن أحد قبلك من الخلائق القبلية والبعدية ، بل أنت أول من ظهر وأول من يشفع وأول من يقرع باب الجنة يا بدر التمام ، ثم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد وتحيط بهم صفوف الملائكة السماوية ، فيتجلى المولى للمؤمنين بحلي رحمة وللكافرين تجلي غضب وانتقام ، فيتقدم المصطفي ويخر ساجدا تحت العرش وهو يحمد ربه بمحامد سنية ، ويقول في سجوده أمتي أمتي سلمها ونجها يا ذا الجلال والإكرام ، فينادى يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع يا كامل المزية ، فيشفع صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء فينصرف الكفار إلى النار والمسلمون إلى دار السلام ، فيقول الله مرحبا بعبادي وزواري قد أعطيتكم يا عبادي أوفر عطية ، أنتم ضيوفي وجيراني وخيرتي من خلقي أبحتكم رضاي وأسكنتكم دار السلام ، فيسكنون قصور مشرفة علية ، ويأكلون ويشربون ويتنعمون بغاية الأنعام ، ويتفكهون ويلبسون ثيابا خضرا سندسية ، متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ولا نصبا ولا لغوبا ولا لوم لوام ، ويطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق جواهرها نقية ، يسقون فيها من رحيق مختوم ختامه مسك فيا نعم الشراب ويا حسن الختام ، هذا ونسأل الله تعالي أن يختم لنا ولكم ولوالدينا ولوالديكم ولسائر المسلمين بخاتمة السعادة الأبدية ، ويسكننا جواره في دار السلام .
(اللهم عطر قبره بالتعظيم والتحية ، واغفر لنا ذنوبنا والآثام)
اللهم يا عالم الأسرار الخفية ، يا من أحاط علمه بالليالي والأيام ، يا من السماء بقدرته مبنية ، يا من لا يغفل أبدا ولا ينام ، يا من الأرض بحكمته مدحية ، يا من لا يفتقر لمخلوق بل بنفسه القديمة قام ، يا من حوائج خلقه عنده مقضية ، يا من لا يخيب من قصده بل يعطيه فوق ما رام ، يا من افتقرت الخلائق إلى ذاته الأحدية ، وهو سبحانه وتعالى عزيز ومن استعاذ بعزه لا يضام ، يا من تفرد بالإيجاد والمنن والعطية ، وشمل إحسانه جميع الأنام ، نسألك بأنوار ذاته القدسية التي بها كل حادث استقام ، ونتوسل إليك بنور ذات نبيك المصطفوية الذي استضاءت به قلوب المؤمنين وزال عنها الظلام ، وبآله وأصحابه ذوي النفوس الذكية ، ونجوم دينه الأئمة الأعلام ، أن تعمنا برحمتك وبركاتك الربانية ، وتغمسنا في بحار اللطف والإنعام ، وتدفع عنا كل هم وغم وكربة وبلية ، وتكفينا شر الذل والإهانة وتكسونا جلابيب المعزة والاعتصام ، وتوفقنا لصالح الأعمال الخالصة المقبولة المرضية ، وتنجينا من الإساءة والخزي والانتقام ، وتعفو عما أحاط به علمك من كل خطية ، وتمحو عنا الذنوب والآثام ، وتسترنا جميعا في هذه الدنيا الدنية ، ولا تفضحنا يوم خلقك في يوم تزل فيه الأقدام ، وتتولي قبض أرواحنا بين قدرتك الربانية ، وتجعلنا عند الموت ناطقين بشهادة الإسلام ، وترزقنا عند سؤال الملكين الجواب يا مبلغ الأمنية ، وتؤنسنا في قبورنا من الوحشية والضيق والظلام ، وتلطف بنا في بعثنا ونشورنا وتحشرنا في زمرة صاحب المقامات العلية ، وتدخلنا في شفاعته وتوردنا حوضه وتعمّنا عند الصراط المستقيم بالنور السنيّ التام ، وترزقنا جوار نبينا في جنان النعيم الديموية ، وتبلغنا النظر إلى وجهك الكريم في دار المقام ، وصل اللهم وسلم على من تفرعت جميع الكائنات من درر محاسنه البهية ، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ، صلاة وسلاما نبلغ بهما حسن المواهب اللدنية ، وتنتظم بهما في سلك أهل طاعتك أحسن انتظام ، ونجلس بهما على بساط القرب لمشاهدة أنوارك الذاتية ، ونحوز بهما النظر إلى بهاء جمالك ، والحمد لله على ذلك في الافتتاح والاختتام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق